يلعب القضاء دور كبير وبارز في حياة الجماعات والأمم، فهو لا يقل أهمية في حاضره عن ماضيه على الرغم من انعدام العدالة الربانية في الجاهلية والقرون التي قبلها إلا أن وجوده يشكل فارق ويعد ضرورة ملحة، فما ذا كان حال القضاء في الجاهلية؟
لم تستغنى العرب قديماً عن الاحتكام في نزاعتهم إلى شيخ القبيلة، أو إلى الكهان والعرّاف للفصل في الخصومة، وفض النزاعات فيما بينها، بل أنهم تحاكموا إلى نساء عرفوا بالنباهة والفهم وإصابة الرأي في الأحكام.
ويلزم على المتنازعين اختيار أحد المحكمين ولهم مطلق الحرية في قبول هذا الحكم أو رفضه وعدم الرضوخ إليه، وفي حال التمرد على حكم شيخ القبيلة، يتعرض المتمرد للطرد والهجر ويسمى “الخليع”، فيهجر القبيلة وينضم لأفراده المتمردين.
كان نظام الحكم للأقوى في الجاهلية فقد بنيت الكثير من الأحكام على نظام الحق للقوي، خاصة مع وجود نظام الرشوة الذي يقلب موازين الحكم ويؤثر على صدروه لصالح الظالم القوي، فكانوا يحرمون النساء والصبيان والشيوخ من الميراث لضعفهم، وانتزاع الحقوق بالسلاح والقوة.
ومن أكثر الخصومات والمنازعات التي كانت تدور عند العرب فيما سبق، جرائم القتل والسرقة والاعتداء على النساء، والاختلاف على المراعي والكلأ والموارد، ونزاعهم المستميت على السلطة والشرف، وكانوا يقومون بإثبات الحقيقة عن طريق اعتمادهم على الشهود والإيمان بالأصنام والأوثان التي يعبدونها، والقرعة والقسامة والقيافة والفراسة فضلاً على اعتمادهم على الكهانة والكهان لمعرفة الحقائق.
ولم يكن لهم مجلس خاص للحكم إذ كانوا يعقدونها في مساكنهم وأحيائهم ومعابدهم، إضافة إلى مجاورتهم للكعبة واتخاذهم من دار الندوة مكاناً لفض المنازعات والخصومات، وتعقد في أيام المواسم والأسواق نظراً لكثرة الناس فيها ووجود كثير من المحكمين المشتهرين بالإصابة في الحكم.
لم يكن هناك سلطة تشريعية تسن القوانين التي يحكمون من خلالها، وإنما كانوا يحكمون بين المتنازعين وفقاً للأعراف والتقاليد والمعتقدات التي كونتها التجارب، فهم لا يعتمدون على نظام أو شريعة أو قانون.
وما يدل على أهمية القضاء ودوره في المجتمع، واهتمام العرب قديماً به أنهم قاموا بتوزيع الأعمال الإدارية والقضائية فيما بينهم على القبائل العروفة في ذلك الوقت، وعندما تفاقم الظلم تداعت قبائل قريش إلى عقد حلف يسمى “بحلف الفضول”، وكان هذا قبل البعثة النبوية بعشرين سنة، نص على ألا يظلم بمكة أحد سواء من أهلها أو خارجها، أو كان حراً أو عبداً، وتعاهدوا على نجدتهم وأخذ الحقوق للمظلومين ومع ذلك كان مبدأ القوة المبدأ السائد.
فالقضاء في العصر الجاهلي لم يعتمد على قانون سماوي، وكان للشرف تأثير في تطبيق الأحكام كما أن القوي هو صاحب الحق والقدرة، وعليه لم تتحقق المساواة والعدالة بين أفراد المجتمع.